من هو طه حسين

من هو طه حسين

 

 

ولد طه حسين سنة ۱۸۸۹م في قرية في صعيد مصر على مقربة من مدينة مفاغة” التي تقع على الجانب الأيسر للنيل وكان أبوه حسين بن علي بن سلامة موظفاً صغيراً في شركة زراعية من شركات السكر.

  نشاة وحياة طه حسين

      فقد طه حسين بصره في الثالثة من عمره، ولكنه عوض عن بصره ذكاء حاداً، وذاكرة قوية، التحق بكتاب من كتاتيب قريته. حفظ فيه القرآن الكريم. ولما ألم حفظه أخذ في حفظ “مجموع المنون” وقراءة بعض الكتب والأشعار القديمة استعداداً لدخول الأزهر، ففي سنة ١٩٠٢م دخل الأزهر، وعكف على دراسة العلوم الدينية واللغوية بها. وأعجب بالشيخ سيد علي المرصفي. ووجب دروسه التي كان يدرس فيها “الكامل للمبرد. و الأمالي لأبي علي القالي، و”حماسة” أبي تمام فصل من الأزهر لسوء أدبه مع استاذه كما ذكره هو في كتابه الأيام، فار على الأزهر ونظامه.

لقد كان من المتوقع، ومن المعقول جداً أن مثل الدكتور طه حسين صاحب الشخصية القوية في الأدب والعلم، الذي حفظ القرآن في الصغر، ودرسه في الكبر، وتعلم في الأزهر ونظر في العلوم والآداب نظرة حرة واسعة، ورأى شقاء أوربا بحضارتها المادية وفلسفتها الإلحادية، وحكوماتها القومية، وتذمر مفكريها والعلماء الأحرار فيها، ودرس تاريخ العرب والسيرة المحمدية دراسة تذوق وإتقان، ولقد كان من المتوقع والمعقول جداً أن يدعو مصر إلى الاستقلال الفكري والحضاري وتربية شخصيتها الإسلامية العربية، والنهوض برسالتها العظيمة التي تستطيع أن تحدث انقلابا في الأوضاع العالمية،

وتمنح مصر مركز الزعامة والقيادة والتوجيه حتى ولو كانت مصر جزءاً من العالم الغربي وقطعة من أوربا، فالرسالات السماوية الإنسانية أسمى وأوسع وأبقى من الحضارات وهي غنية عن الحدود الجغرافية والأدوار التاريخية، وإذا فعل ذلك، وقام بهذه الدعوة كان رائد النهضة الفكرية الحقيقية والثورة المصرية المباركة، واتفق ذلك مع مواهبه العظيمة كل الاتفاق.

ولكن كان من نتائج تغلغل الثقافة الغربية في الطبقة المثقفة في العالم الإسلامي وسيطرتها على التفكير والمشاعر، وضعف المجتمع الإسلامي وسيطرتها على التفكير والمشاعر، وضعف المجتمع الإسلامي الذي نشأ وعاش فيه طه حسين، أنه قام بدعو مصر إلى اعتبار نفسها جزءاً من الغرب،

ويجند كل ذكائه وإنشائه ودراسته التاريخية لإثبات أن العقلية المصرية عقلية أوربية، أو قريبة قرباً شديداً من الأوربية، ولها اتصال وثيق بالعقلية اليونانية، وبعيدة كل البعد عن العقلية الشرقية، وهي منذ قديم الزمان، وهي منذ العهد الفرعوني لم تتأثر بالطارئ عليها في أي عصر، فلم تتغير بالفرس ولا بالرومان ولا بالعرب والإسلام، وإن العقل المصري منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وأن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلينا مع شعوب البحر الأبيض المتوسط”.

زملاء طه حسين

    وكان من زملائه في هذه الدراسة الأستاذ أحمد حسن الزيات  والشيخ محمود زناني وحبب الشيخ المرصفي إليهم الأدب فشغفوا بالأدب إلى أقصى حدود الشغف وما لبث أن أخذ يخوض في خضم الحركات الإصلاحية التي كان ينادي بها تلاميذ الشيخ محمد عبده وسرعان ما تحول إلى أحمد لطفي السيد الذي كان يدعو في “الجريدة” إلى مقاييس جديدة في السياسة والأخلاق والاجتماع، يستضيء به في حياته العقلية، وشاركه في جريدته، كما شارك في الكتابة بعض المفتونين بالحضارة الغربية كيعقوب صروف وشبلي شميل”، وفرح أنطون.

وأنشأت فيه الدراسة في الأزهر الحرص الشديد على التعمق في فهم النصوص، وتجنب السطحية والعلم المحفوظة، وكانت الدراسة في الأزهر في تلك الأيام تمتاز بتنشئة الملكات التي تتيح الفهم والتعمق والصبر على البحث

أساتذة طه حسين

ومن الأساتذة الذين تأثر بهم طه حسين غير الشيخ السيد مرصفي الذي وجهه إلى الدراسة الأدبية، تلينوا أستاذ تاريخ الأدب العربي وسانتيلانا، أستاذ الفلسفة الإسلامية، ودوركايم أستاذ علم الاجتماع ويلوك أستاذ التاريخ الروماني، وجلاتس أستاذ التاريخ اليوناني، وليفي بريل أستاذ الفلسفة، وغرس هؤلاء الأساتذة الغربيون في ذهن طه حسين عظمة الحضارة اليونانية، ومجد الروم.

الكتب المحببة إلي طه حسين

ومن الكتب المحببة إليه كتاب سيبويه ، والمفصل للزمخشري والكامل للمبرد ، وكتب الجاحظ، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري ونقد الشعر لقدامة بن جعفر والكتاب المنسوب إليه في النثر أيضاً، وكان ينصح الأدباء بدراسة هذه الكتب.

التعليم العاليل لطه حسين

وفي سنة ۱۹٠٨م التحق بالجامعة المصرية الأهلية، وسمع إلى من كانوا يحاضرون بها من أمثال الشيخ المهدي، ومحمد الخضري، وحفني ناصف ، وإلى الأساتذة الأوربيين، أمثال نالينو وجويدي وتعلم الفرنسية في مدارس ليلية لتدريس اللغات حتى يفهم المحاضرات التي كانت تلقى بها.

    وفي سنة ١٩١٤م نال في هذه الجامعة الدكتوراه في الآداب على رسالته “ذكرى أبي العلاء” ، ثم أوفدته الجامعة المصرية في بعثة إلى فرنسا في مطلع الحرب العالمية الأولى ۱۹۱٤م ، فنزل في “مونبلييه” في جنوبي . فرنسا والتحق بجامعتها، وظل فيها نحو عام، عاد في نهايته إلى مصر لسوء حالة الجامعة المالية، وسرعان ما تحسنت ظروف الجامعة، فرجع بعد ثلاثة أشهر إلى “باريس” عام ۱۹۱٥م.

وهناك تلقى علومه على دوركايم عالم الاجتماع الكبير، واشترك في محاضرات المؤرخين والأدباء في “السوريون” و الكوليج دي فرانس” حيث نال الدكتوراه الثانية في الفلسفة على رسالته فلسفة ابن خلدون الاجتماعية”، وتعلم اليونانية واللاتينية،ونال شهادة الدراسة العليا في التاريخ وخلال إقامته بباريس ارتاد الأندية الفكرية والأدبية والتقى بعدد من مفكري ومؤرخي فرنسا فاتصل ببوجليه ولاتسون، وليفي وميرول وغيرهم.

عاد طه حسين إلى مصر

وعاد إلى مصر عقب الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٩م وعمل أستاذاً في الجامعة المصرية، فدرس تاريخ اليونان والرومان، وكان افتنانه بالحضارة الغربية بالغاً إلى حد التخمة، تدل على ذلك كتبه حول التراث الأوربي، فأخذ يلقي محاضراته في الجامعة حول تاريخ اليونان وأدبهم، و أخرج كتابين هما صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان” و “نظام . الأثينيين” لأرسططاليس، وسوفوكليس ينقل مجموعة من المسرحيات باسم الأدب “التمثيلي اليوناني”.

المؤلفات الذي نشر طه حسين و مناصبه

  وفي سنة ۱۹۲۲ م ترجم كتاباً في علم النفس التربوي من تأليف لوبون بعنوان “روح التربية”، وانضم إلى صحيفة ” “السياسة” التي يصدرها حزب الأحرار الدستوريين، وعين محررها الأول، فكان ينشر يوم الأحد قصة ملخصة من الأدب الفرنسي، وفي يوم الأربعاء ينشر بحثاً في الشعر العربي، ونشر في سنة ١٩٢٤م كتابة قصص تمثيلية لطائفة من أشهر الكتاب الفرنسيين، ونقل بعد ذلك مسرحية “أندروماك” لراسين” و”زاديج” لفولتير.

عميداً لكلية الآداب في الجامعة المصرية

وفي سنة ۱۹۲٤م عين عميداً لكلية الآداب في الجامعة المصرية، ونشر كتاب “قادة الفكر، وألقى محاضرات حول الشعر الجاهلي بقسم اللغة العربية بالجامعة، ثم نشرها في سنة ١٩٢٦م باسم “في الشعر الجاهلي” وأقم دراسته فيه على منهج ديكارت الذي يرجع إلى الشك في كل شيء ويعتقد أنه اقتبس أفكاره من رسالة في أصول الشعر الجاهلي لمرغليوث شك في صحة رواية الشعر الجاهلي، وانهم الرواة بالوضع والانتحال فثارت قضية الوضع والانتحال في الشعر الجاهلي، وتحولت إلى معركة أدبية.

وكان ممن خاضوا هذه المعركة علي جمعة، والأمير شكيب أرسلان، ومصطفى صادق الرافعي ورجال الأزهر، ولكن العاصفة مرت بسلام، ودافع أحمد لطفي السيد عن الكتاب والكاتب مستدلاً بحرية البحث العلمي واستقلال الجامعة الفكري، ولكن ثورة الناس أدت به إلى الاستقالة من مديرية الجامعة، وأعاد طه حسين طبع كتابه باسم “في الأدب الجاهلي بعد حذف بعض الفقرات الشائنة التي كانت مثاراً للأزمة والجدال عام ۱۹٩٢٧م ، وكتب ترجمته الذاتية “الأيام” فنشر الجزء الأول منها في سنة ۱۹۲۹م بعد أن نشره فصولاً في مجلة “الهلال” وفي سنة ١٩٣٠م أصبح عميداً لكلية الآداب مرة ثانية.

وزارة المعارف

ثم أبعد عن الجامعة في عهد إسماعيل صدقي لاصطدامه بوزارة إسماعيل عام ١٩٣٢م، وانتقل إلى وزارة المعارف، واستمر تقلبه في المناصب بين وزارة المعارف والجامعة المصرية إلى أن أنشئت جامعة الإسكندرية عام ۱۹۰م واستلم مديريتها قبل ثورة ١٩٥٢م، وانضم إلى حزب الوفد، وكتب في صحيفة كوكب الشرق” ، وأخرج صحيفة “الوادي” ووجه انتقادات حادة إلى صدقي.

في سنة ١٩٣٢م ألف كتابه “في الصيف” وهو مجموعة رسائل كتبها بأوربا في سنة ١٩٢٨م، وفي سنة ۱۹۳۳م نشر دراسته عن حافظ وشوقي” كما نشر أول جزء له من سلسلة على هامش السيرة”،

عمادة كلية الآداب

ورجع إلى عمادة كلية الآداب في سنة ١٩٣٤م، وبدأ ينشر سلسلة من محاضراته في نشأة النثر العربي وفي طائفة من الشعراء العباسيين باسم من حديث الشعر والنشر، وفي سنة ۱۹٣٦ م وضع كتاباً عن المتنبي سماه “مع المتنبي” وفي سنة ۱۹۳۹ أصدر كتابه “مستقبل الثقافة”، وكان قد ترك الجامعة ليعمل في وزارة التعليم والتربية وعين مستشاراً فنياً لهذه الوزارة، ثم عين مديراً الجامعة الإسكندرية سنة ١٩٥٢م.

وبعد استقالة الوزارة الوفدية خرج من الحكومة، وحرر صحيفة الكاتب المصري” ويصبح في سنة ۱۹۵۰م وزيراً للتربية والتعليم، فينادي بتكافئ الفرص، وفي سنة ١٩٥٩م منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهاً بجهوده الأدبية، ومنحته كلية ترينتي بجامعة أكسفورد في إنكلترا درجة الدكتوراه الفخرية في الأدب، وتوفي في عام ١٩٧٣م (١٣٩٣هـ).

كان طه حسين من تلامذة المستشرقين، فنقل أفكارهم، وانتقد التاريخ الإسلامي، وهاجم الشخصيات الإسلامية، وكان حاد الطبع متصلب الرأى، فعارض آراء السلف ومعاصريه من الأدباء في القضايا الفكرية والتاريخية والأدبية، فأثارت آراؤه حركة علمية وأدبية وفكرية تصدى فيها المحافظون على الإسلام والعروبة، لرده، وألفوا كتباً قيمة في الفكر والأدب والشعر. ومن كتبه التي تمثل أفكاره الشاذة ذكرى أبي العلاء.

وقد فند آراءه الشيخ عبد العزيز الراجكوتي في كتابه أبو العلاء وما إليه، وكتاب مستقل الثقافة في مصر، وكتاب مع المتنبي، وقد فند آراءه في هذا الكتاب الدكتور محمود شاكر في كتاب المتبني، الذي كشف فيه زيغ طه حسين، وتأثره بأفكار المستشرقين، واتهم بعض الكتاب طه حسين بأنه نات أفكار المستشرقين إلى العربية، وكذلك سلسلة كتبه الفتنة الكبرى، على وبنوه، وعثمان ومرآة الإسلام وقادة الفكر الذي تجد فيه حضارة الروم البائدة.

يقول الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي وهي يعترف بفضل طه حسين العلمي والأدبي، وشخصيته المؤثرة :

أسلوبه

يمتاز أسلوب طه حسين بالقوة والجزالة، وفيه محسنات بيانية أوخطابية كالتكرار والاستهزاء.

يقول الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي :

له أسلوب خاص يعرف به، يتسم بنقاء الكلمات، وتبسيطالموضوع، وتكرار المادة، ويحسن كتابة شيء كثير لا يعتقده ولا يتحمس له، وتلك صناعة لا يحسنها كل واحد

إن أسلوب طه حسين فردي متميز الشخصية، فقد تأثر في مطلع حياته بالمنفلوطي في أسلوبه، وبأحمد لطفي السيد في تفكيره، ومذهب طه حسين في النثر الفني هو تطوير لمذهب المنفلوطي، فخصائص الأسلوب عندهما تكاد تكون واحدة، مع مقدرة طه حسين الفائقة، وله مدرسة جديدة مسار في أثره الكثيرون من أعلام الكتاب كما نهج نهجه تلامذته الجامعيون

من ھو عمر بن أبي ربيعة         من هو مصطفى صادق الرافعي